“رواية تَعَافَيْتُ بِكَ”
“الفصل الثامن و الثلاثون”
___________
“ثم إننا مدينون بالحُب لكُل شخص جعلنا نبصر شيئًا جميلًا في أنفسنا حين أوشكنا على الانطفاء”.
___________
كل مساراتي أصبحت تأخذني إليك، أما قلقي فأصبح من الآخرين عليك، يا من وجدت عندك راحتي بين ذراعيك، وأشتاقت روحي لإلتقاء عينيك، فحلت دُنياي وأنا بين يديك.
نظر الجميع لـ «عامر» بعد تلك الإجابة الغير المتوقعة بتعجبٍ واضح، أما هو فوجه بصره نحو زوجته وأخرج زفيرًا قويًا ثم قال بنبرةٍ مُحبة:
“كل طرق الراحة موجودة عندها هي، والقلب أختار وجودها معاه علشان هي هي”
سأله «خالد» مُستفسرًا بتعجب:
“يعني أيه هي هي أنا مش فاهم؟”
إبتسم «عامر» ثم قال:
“يعني علشان هي، مقدرش أقول اختارتها ليه، ولا حبيتها ليه، القلب أختارها هي من بين كل الناس”
إبتسم الجميع على إجابته، بينما هي أخفضت رأسها في خجلٍ من الجميع، تدخلت «خديجة» تسأله بهدوء وهي مبتسمة:
“هو أنتم اتقابلتوا إزاي أصلًا، أو أختارتها إزاي؟”
ضحك الجميع على سؤالها، بينما «ياسين» تحكم في ضحكاته ثم قال:
“قصة حب من العيار التقيل، غالبًا كانت هتبدأ في القسم”
إتسعت حدقتيها بإندهاش وقالت:
“لأ بجد عاوزة أعرف أنا اتشوقت”
غمز «عامر» لزوجته وهو يقول:
“فاكرة اللقاء الأول يا جرثومة؟”
أومأت له مبتسمة بينما هو تنهد بأريحية ثم قال:
“أنا هحكيلك الحكاية بدأت إزاي”
(منذ ماضٍ قريب)
كان «عامر» يقود سيارة «ياسين» وفي الخلف تجلس إبنة خالته و شقيقته بالرضاعة مع زوجها، كان يشعر بالحنق منهما، وهو في طريقه بهما إلى مكان تصميم الفساتين الخاصة بالأفراح، نظرت له «غادة» بسخرية وهي تقول:
“إفرد وشك يا أستاذ عامر، عاوزين اليوم يمشي كويس”
رفع حاجبه ينظر لها بضيق وهو يقول:
“هو أنتِ فكراني سواق أهلك يا غادة؟ ما تتكلم يا عم مراد، وبعدين واخدين عربية الراجل وراح شغله مواصلات مفيش دم خالص كدا”
تدخل «مراد» زوجها وهو يقول:
“أنا متشكر ليك يا عامر و لياسين كمان، معلش عربيتي في التوكيل، وبعدين غادة أختك يا عم”
أومأ له «عامر» بضيق ثم قال:
“ماشي يا عم، علشان خاطر رضعتين أمي كانت مزنوقة فيهم، أتدبس فيها طول حياتي”
رفعت حاجبها بحنقٍ وهي تقول بشرٍ:
“لم نفسك يا عامر بدل ما ألمك، يا سيدي عقبال ما نخدمك في فرحك”
نظر لها بسخرية وهو يقول:
“لأ ياختي أنا مش هتجوز، أنا هترهبن”
بعد قليل من القيادة أوقف السيارة أمام الأتيليه الخاص بـ «سارة» خرجت «غادة» من السيارة وهي تقول:
“أنا يدوبك هظبط المقاس ولو فيه حاجة هتعدلها، ومراد هيروح يشوف البدلة”
أومأ لها «عامر» بضيق ولم يتحدث، بينما «مراد» أضاف قائلًا:
“معلش بقى يا عامر، أنتَ هتستناها هنا، علشان متفضلش لوحدها، وأنا هروح أجيب البدلة وأرجع تاني”
دخلت «غادة» الاتيليه، وذهب «مراد» سيرًا على الأقدام نظرًا لتقارب الأماكن من بعضها، نظر «عامر» أمامه على الطريق فوجد عربة «فول» متكدسة بالأشخاص فـ خمن مذاق الفول، لذلك ذهب إلى العربة وجلب شطائر الفول منها، إقترب مرةً أُخرى من الأتيليه ثم جلس على الدرجات الصغيرة أمامه وقام بفرد الطعام على الدرجات وهو يقول بنبرة مَرِحة:
“الحسنة الوحيدة اللي هاخدها من الملزقين دول”
في الداخل دخلت «غادة» الغرفة المخصصة لتجربة الفساتين، فوقفت «سارة» تنظر من خلف زجاج المحل وهي مبتسمة، لكن تلاشت تلك البسمة سريعًا حينما رآت «عامر» يأكل على درجات المحل، خرجت والشرر يتطاير من عينيها وهي تقول بصوتٍ عالٍ:
“أنتَ يا أستاذ لو سمحت كدا مينفعش اللي حضرتك عامله”
رفع رأسه ينظر لها بلامبالاة ثم أنزلها مرةً أُخرى، زاد حُنقها منه لذلك، اقتربت وهي تقول:
“أنا بكلمك يا فندم، مينفعش كدا المكان دا ليه سمعته”
وقف هو بضجرٍ ثم قال بنبرة باردة:
“خير أؤمري، فيه حاجة ؟”
نظرت له وللطعام على الدرجات بتعجب ثم قالت مندهشة:
“كل دا ومش مستوعب إن فيه حاجة؟ أنتَ مبهدل الدنيا وموسخ المكان وكمان بتسأل؟”
رفع صوته يقول بضجرٍ:
“بس بس يا حجة، موسخ إيه، ومبهدل إيه وبعدين فين المكان دا إن شاء الله، هو كل واحد عنده كشك هيقرفنا بيه”
شهقت بقوة ثم قالت:
“كشك!! بقى المكان دا كشك يا أعمى؟”
أومأ لها بقوة ثم قال مبتسمًا حتى يثير حنقها:
“آه كشك، وبعدين إيه موسخ الدنيا دي؟ أنتِ شيفاني كيس زبالة قُدامك؟”
رفعت إصبعها في وجهه وهي تقول:
“أمشي من هنا أحسنلك ولم نفسك، يا سوفسطائي”
رفع انفه ينظر لها بوجهٍ ممتعض وهو يقول:
“سوفسطائي مين يا جرثومة أنتِ، وبعدين أنتِ فاشلة ومكانك دا فاشل، وفيه ألف غيرك لاتكوني فاكرة نفسك هاني البحيري”
لم تستطع التحكم في دموعها عند نعته لها بالفشل، فقالت باكية:
“أنا لا يمكن أسمحلك تغلط في المكان ولا في سمعته، وعلى فكرة الفاشل بجد هو اللي بيتلكم من غير ما يعرف ظروف اللي قدامه”
تعجب هو بكاءها المفاجيء، فقال بنبرة هادئة:
“معلش متزعليش، وبعدين أنتِ اللي مستفزة بجد”
مسحت دموعها ثم تركته ودخلت المكان مرةً أُخرى،نظر هو في أثرها مُتعجبًا ثم قال:
“البت دي مجنونة ولا إيه؟”
دخل المكان خلفها وجدها تبكي بقوة، وقف يسألها بنبرة متعجبة:
“لو سمحتي؟ هو أنتِ كويسة طيب؟”
خرجت «غادة» من الغرفة تحمل الفستان في يدها، وحينما رآت «عامر» سألته بتعجبٍ جليًا على ملامحها:
“عامر؟! أنتَ إيه اللي دخلك هنا؟”
وقفت «سارة» متأهبة وهي تقول ببكاء:
“هو الأستاذ يبقى تبعك؟”
أومأت لها «غادة» بهدوء، فمسحت «سارة» دموعها ثم قالت:
“أنا مش هكمل الفستان لحضرتك، شوفي أي مكان تاني من اللي الأستاذ قال عليهم علشان المكان دا فاشل”
إقتربت منها «غادة» وهي على وشك البكاء تقول:
“لأ علشان خاطري، الفرح أخر الأسبوع دا ومفيش وقت وبعدين أنا جايالك من أخر الدنيا علشان سمعتك اللي زي الدهب”
حركت «سارة» رأسها نفيًا بقوة ثم قالت:
“لأ أنا متأسفة، أنا عمري ما أقبل بإهانة المكان أو إهانة صاحبه”
رفع «عامر» وهو يقول بنبرة حانقة:
“أنا مش فاهم أنتِ مكبرة الموضوع ليه؟ما خلاص يعني مش مستاهلة، هي هتتحايل عليكي ولا إيه؟”
اقتربت منه تقف مقابلةً له ثم قالت بنبرة جاهدت حتى تخرج طبيعية:
“المكان اللي حضرتك غلطت فيه دا، والدي سايبه ليا من بعد وفاته ووصاني أني أخليه زي ما هو وسمعته تفضل تلمع، لما حضرتك تتهمني بالفشل وتتهم المكان بالفشل يبقى صعب عليا أكمل في حاجة لحد شايفني فاشلة”
شعر بالإحراج من حديثه السابق لها فقال بنبرة خجلة:
“إحم.. أنا متأسف جدًا بجد، مكنتش أعرف”
اقتربت منها «غادة» تقول بضيق:
“علشان خاطري كملي الفستان، أنا معرفش غيرك هنا والله مفيش وقت، هو إعتذرلك أهوه”
نظرت «سارة» لهما بضيق، لكنها حينما لمحت نظرة الندم في عينيه، والترجي في أعين الفتاة أومأت بهدوء ثم قالت:
“تمام، بعد بكرة تعالي خديه هيكون جاهز، بس تيجي لوحدك من غيره”
أشارت برأسها نحو «عامر» الذي رفع حاجبه مُتعجبًا منها.
خرج «عامر» من المكان مع أخته وهو يفكر بها وفي حديثها، ظل طوال الليل يتذكرها ويتذكر بكاءها، لم يعلم لماذا شغلت تفكيره، مر اليوم التالي وهي أيضًا في باله لم تتركه، كان يشعر بتأنيب الضمير من معاملته لها، لذلك تحدث مع «غادة» وطلب منها أن يذهب هو ويجلب الفستان حتى يستطع أن يعتذر منها، وافقته على مضضٍ لأنها تعلم أنه على حقٍ، في صباح اليوم المخصص لتسليم الفستان، كان جالسًا على الدرجات الصغيرة أمام المحل منتظر قدومها حتى تفتح المكان، وحينما طال إنتظارها قام وجلب شطائر الفول مرةً أُخرى، أتت هي ورآته يأكل، فحركت رأسها نفيًا بيأس وهي تقول بضيق:
“لأ مش ممكن بجد، أنا مشوفتش كدا في حياتي، مفيش فايدة!!”
وقف هو مُبتسمًا ثم قال:
“معلش بقى يا جرثومة، كنت جعان، وبعدين لسه الناس قافلة، أنا جيت بس أخد الفستان”
نظرت له بتعجب ثم قالت:
“أنتَ إزاي كدا؟ وبعدين أنا قولت إن هي اللي تيجي تاخد الفستان، أنتَ جيت ليه؟”
إبتسم لها بسمة أكثر إتساعًا ثم قال:
“جيت علشان أشوفك وأعتذرلك، اتفضلي”
قدم لها مجموعة من الزهور قام هو بأخذها من شجرة قريبة من المحل، نظرت ليده بتعجب وهي تقول:
“إيه دا؟ وبمناسبة إيه؟”
غمز لها ثم قال مُبتسمًا بمرح:
“بمناسبة طول لساني إمبارح،وبعدين أنا مشتريتهوش، أنا سرقته من الشجرة اللي جنبك؟”
إبتسمت رغمًا عنها من طريقته ثم قالت:
“أنا مش عارفة أقول عليك إيه وأنتَ فيك كل العبر؟ بجد أنا مشوفتش كدا في حياتي”
رفع رأسه بشموخٍ وهو يقول:
“والله العظيم ولا هتشوفي أنا نسخة واحدة متكررتش”
أومأت له وهي تقول:
“والحمد لله إنها متكررتش، نصلي ركعتين شكر لله”
إبتسم لها بإستفزاز ثم قال:
“ماشي باستي خدي الورد بقى وهاتي الفستان”
أومأت له ثم أخذت الزهور من يده، وحينما أخفضت جزعها حتى تقوم بفتح المحل، وجدتها يقول بسرعةٍ كبيرة:
“لأ معلش عنك بس علشان أفتحه أنا”
نظرت له بشكٍ ثم قالت:
“آه، أنا فاهمة النوع دا كويس، بيستظرف ويلطف، عيب عليك دي مراتك شكلها غلبان متستاهلش إنك تعمل كدا”
قطب جبينه بقوة وهو يقول:
“ماشاء الله كل دي صفات زبالة؟ وبعدين مرات مين”
جاوبته بضجرٍ:
“مراتك يا أستاذ اللي كانت بتقيس الفستان هنا من يومين، يا أخي الله يسامحك حرام عليك تكسر بخاطرها كدا”
صرخ في وجهها قائلًا:
“بــــس، إيه ماسورة ضربت في وشي؟ وبعدين أنا اتجوز المتخلفة اللي كانت هنا دي؟ هي العيلة ناقصها معاتيه؟”
نظرت له بتعجب ثم قالت:
“لما أنتَ مش جوزها، تبقي مين وبتيجي معاها ليه؟”
جاوبها هو مـتعجبًا من حديثها:
“مسمعتيش عن إخوات قبل كدا؟ موصلكيش التحديث دا؟”
أومأت له في تفهم ثم قالت:
“هي اللي قالتلي أول مرة إنها معندهاش أخوات ولا أصحاب، علشان هي مش من هنا”
أومأ لها ثم قال:
“هي بنت خالتي واختي في الرضاعة وكانت في السعودية طول عمرها وجت هنا علشان فرحها…إيه دا؟ أنتِ مالك أنا بحكيلك ليه؟”
عضت على شفتيها بضيق ثم قالت:
“لأ بجد أنتَ صعب أوي”
إبتسم لها بسخرية ثم قال:
“صعب أوي إيه، أنتِ شايفاني كتاب فيزيا قصادك؟”
إبتسمت رغمًا عنها، فوجدته يقول:
“أنا بطلب منك معلش تيجي تحضري الفرح علشان معندهاش صحاب بجد ومش لطيفة تكون لوحدها،ولو عندك صحاب هاتيهم”
نظرت له نظرة لم يستطع هو تفسيرها لكنها كانت نظرة هادئة ، فأضاف هو قائلًا:
“أنا مش قصدي حاجة والله، بس هي طول عمرها مش في مصر، وجت هنا علشان قرايب جوزها وراجعة تاني السعودية، فممكن تنورينا في الفرح؟”
إبتسمت بهدوء ثم قالت:
“مفيش مشاكل عرفني العنوان وأختي هتيجي معايا كمان متقلقش، الإحساس دا صعب وأنا محبش حد يجربه”
إبتهج وجهه فقال بنبرة مَرحة:
“الله يجبر بخاطرك يارب يا..إسمك إيه علشان أدعيلك؟”
إبتسمت على طريقته ثم قالت:
“سارة، أسمي سارة يا…”
أضاف هو بسرعة كبيرة مُبتسمًا:
“عامر، عامر فهمي”
(عودة إلى الوقت الحالي)
تنهد هو بعمقٍ ثم قال:
“بس جت الفرح هي وأختها، وأنا اتلككت و وصلتهم، وخدت رقمها، و بعد أسبوع كنت عارض عليها الجواز علشان ياسين قالي كدا عيب وحرام”
إبتسم الجميع عليه، فتدخلت «ميمي» تقول ضاحكة:
“يعني برضه بسبب الأكل، أنتَ إيه يابني؟”
ارتفعت ضحكات الجميع عليه، بينما «سارة» أضافت قائلة:
“والله يا ميمي لحد دلوقتي بيجي الأتيليه علشان ياكل سندوتشات الفول”
رد عليها «عامر» بضيقٍ زائف:
“والله أنتِ واحدة ظالمة، أنا باكل الفول دا علشان بيفكرني بالماضي اللي جمعني بيكِ يا…يا جرثومة”
ردت عليه وهي تضحك:
“أنا قولت سوفسطائي محدش صدقني”
سألتها «ريهام»:
” أنا نفسي أعرف يعني إيه سوفسطائي دي؟ بجد”
إبتسمت لها «سارة» ثم قالت:
“دول فلاسفة في اليونان، إسمهم كدا علشان عندهم قدرة تلاعب بالألفاظ رهيبة، يقدروا يحولوا الحق لباطل والباطل لحق، بسبب قدرتهم على الكلام”
سألتها «خديجة» مُبتسمة:
“وأنتِ عرفتي منين؟ ماشاء الله شكلك مذاكرة فلسفة حلو”
إبتسمت لها «سارة» ثم قالت:
“علشان أنا خريجة أداب قسم فلسفة”
أومأت لها «خديجة» في تفهم وهي مبتسمة، بينما «إيمان» صفقت بكفيها معًا ثم قالت:
“خلاص يا جماعة خلصنا من سارة و عامر، نشوف اللي بعده، خديجة تسأل ياسر”
إبتسم «ياسر» وهو يقول بهدوء:
“الحمد لله، لحقت التنسيق”
ضحك الجميع عليه، بينما «خديجة» نظرت له بخجلٍ وهي تقول:
“بص يا دكتور أنا حقيقي معرفش أي سؤال، بس مكن أغش سؤال إيمان وأقولك إيمان بالنسبة ليك إيه وعرفتوا بعض إزاي؟”
تنهد هو مُبتسمًا ثم قال بحب:
“إيمان دي حب الطفولة، وحب العمر كله، يعني أتولدت على إيدي وكبرت قصاد عيني، كنت معاها في كل، حاجة أول يوم حضانة، وأول يوم مدرسة وأول ما عينها فتحت على الدنيا كمان، كانت الأمل ليا في كل حاجة، ومن أصعب فترات حياتي لما خالد بعدنا عن بعض، هو كان معاه حق بصراحة برضه أنا مقبلش إن أختي يكون حد من صحابي بيقعد معايا أو يدخل بيتنا وهي موجودة، وأنا كبرت ببعدها عني وكنت واعد نفسي إنها تكون ليا، حققت حلمي ودخلت طب رغم إن ظروفي كانت صعبة بس هي كانت علطول تقولي إن أنا أقدر أوصل لحلمي وأبقى دكتور، بصراحة كنت خايف أخذلها، كتمت حبها في قلبي وبعدت عنها نهائي وعافرت مع خالد لحد ما بقت ليا”
تنهد بعمقٍ مبتسمًا بعدما أنهى حديثه، بينما «إيمان» نظرت له متأثرة وهي على وشك البكاء ثم قالت:
“مبروك يا ياسر، كسبت معانا أجازة من النكد لمدة سنة”
ضحك الجميع عليها بينما «ياسر» حرك رأسه نفيًا بيأس وهو يضحك، أكملت «خديجة» حديثها قائلة:
“على فكرة السؤال ليه تكملة، إيمان بالنسبة ليك إيه؟”
اقتربت «إيمان» تجلس بجانبه وهي مبتسمة، فإلتفت هو ينظر في أعينها ثم قال بهدوء:
“إيمان، زي دوا لمرض انتشر في العالم وهي علاجه الوحيد، أو زي ضحكة مولود صغير في مدينة كلها موتى، أو زي نقطة مطر نزلت في صحرا علشان تدينا أمل في الخير اللي جاي، أو زي فرحة طفل رجع لحضن مامته بعد ما كان تايه”
فور إنتهاء جملته، تدخل «خالد» يقول بتعجب:
“إيمان مين بس يا غالي؟ إيمان أختي أنا؟”
نظر له «ياسر» مبتسمًا ثم أومأ له بقوة، فحرك «خالد» رأسه بقوة وكأنه يحاول استيعاب ما وقع على مسامعه، ثم قال مندهشًا:
“إيمان دوا لمرض؟ دا محدش جابلي مرض في حياتي غيرها؟ وبعدين نقطة مياة مطر إزاي؟ دي شلال مصايب متحرك”
رفعت حاجبها تنظر لأخيها وهي تقول:
“وأنتَ بتدخل ليه أنتَ يابني أدم؟ وبعدين إيه دليلك على مصايبي؟ دا أنا حمل وديع؟”
شهق بقوة ثم قال:
“حمل وديع مين يا أم حمل وديع؟ نسيتي إسراء بنت أم عمرو، يا بت دا كنت هبات في القسم بسببك”
ضحك الجميع عليهما بتعجبٍ، بينما هي أضافت تقول بحنقٍ:
“الله؟! مش عاوزة تتربى هي وأصحابها، مقسمين نفسهم عليكم وكل واحدة عاوز تتجوز واحد فيكم، منكم أنتم الأربعة، وبعدين إسراء دي عينها كانت من ياسر، أنا قفلتهالها شهر بس”
نظر الجميع للموقف بـ فاهٍ مفتوح، غير مصدقين لما سمعوا، فسألت «سارة» تقول بإندهاش:
“أنا أول مرة أعرف الحكاية دي، حصل إيه؟”
نظرت «إيمان» لها بضيق إثر تذكرها للموقف ثم قالت:
“دي واحدة جارتنا عندها ٣ بنات صحابها من سني ، بعد ما البهوات خلصوا ثانوية عامة، ودخلوا الجامعة كل واحدة فيهم رسمت على واحد، لأ وجايين يصاحبوني علشان أسهل الطريق ليهم”
تدخلت «خديجة» تسألها بتعجب:
“طب وأنتِ عملتي فيها إيه؟ “
غمزت لها «إيمان» ثم قالت بشرٍ:
“ضربتها بقالب طوب فوق عينها، فضلت مغمضة شهر، صحيح خالد كان هيتعمله محضر بس فدايا”
ضحك الشباب جميعهم على الموقف بينما الفتيات نظرن إلى بعضهن البعض بتعجب، فأضافت «ميمي» تقول بخوفٍ زائف:
“ياخوفي عليك يا ياسر، ميرفت غلبانة مش حمل مرمطة وراك أنتَ ومراتك”
وضعت «إيمان» ذراعها على كتف «ياسر» وهي تقول مبتسمة:
“لأ يا ميمي ياسوري في عيني، والعيون الزرقا دي محدش يبصلها غيري ولاهي تبص لغيري، صح يا ياسر”
كانت نبرتها مُخيفة، مما جعله يومأ لها بقوة، وهو يقول:
“آه والله عمرها ما تبص لغيرك، يا رب لو بصت لغيرك تتفقع”
ربتت على وجنته وهي تقول بخبثٍ هادئ:
“شاطر يا حبيبي، شاطر”
اقتربت خديجة» من أذن «ياسين» تسأله بهدوء:
“ياسين هو ليه أنا حاسة إنه خايف؟”
إبتسم «ياسين» بسخرية ثم قال:
“حاسة مش متأكدة؟”
نظرت له بتعجب فوجدته يومأ لها مؤكدًا.
_________________
في بيت آلـ الرشيد وصل الشباب من عملهم،ذهب «أحمد» إلى محل البقالة يشتري منه طلبات، بينما «طارق» و «وليد» وقف كلاهما أمام المصعد، وحينما طال تأخره تحدث «طارق» يقول بضيق:
“أنا هطلع على السلم مش قادر وعاوز أدخل الحمام، أبقى تعالى على شقتنا يا وليد”
أومأ له «وليد» ثم قال:
“أنا كدا كدا طالع علشان أبوس عبلة”
نظر له «طارق» بحنقٍ وهو يقول:
“يا أخي لم نفسك وراعي مشاعري بقى، دي أختي برضه”
نظر له بسخرية وهو يقول:
“ومراتي، يعني لو عاوز أخدها منكم هاخدها”
أطاح له «طارق» بيده ثم قال:
“روح بقى اتربى ولا لم نفسك، بدل ما تفضحنا”
إبتسم «وليد» بإستفزاز، بينما «طارق» ركض الدرجات بسرعة كبيرة، طرق «وليد» باب المصعد بقوة ثم قال:
“يا جدعان هو حد بيولد في الأسانسير؟”
في خلال ثوانٍ وصل المصعد أمامه، وخرجت منه «هدير» ترتدي ترنج رياضي باللون الأسود وحجاب قصير باللون الأسود أيضًا خرجت منه خصلاتها الأمامية الناعمة بشدة، لكن تلك المرة بدون مساحيق التجميل، نظر لها «وليد» متفحصًا، بينما هي رفعت صوتها تقول له:
“ماتوسع يا بني أدم أنتَ عاوزة أعدي”
رفع حاجبه مُتعجبًا منها، ثم ابتعد عن الباب حتى يفسح لها المجال، خرجت هي من المصعد بضيق من الموقف، وقبل أن تخرج من البيت أوقفها يقول:
“أستني أنتِ راحة فين؟”
إلتفتت تنظر له بضجرٍ وهي تقول:
“وأنتَ مالك؟ بتدخل ليه أصلًا؟”
اقترب منها يقول بضيق:
“يعني إيه أنا مالي؟ وبعدين شكلك تعبان كدا مالك؟”
كانت جملته الأخيرة هادئة مما جعلها تنظر له بتعجب، حرك رأسه هو متسائلاً، فوجدها ترفع صوتها وهي تقول:
“ملكش دعوة بيا سبني في حالي، ومتعملش نفسك طيب يا وليد، علشان لو أنا وعمتو وحشين ، أنتَ وحش زيك زينا”
نظر لها بسخرية وهو يقول بنبرة تشبه نبرة الأطفال وهو يقول ساخرًا:
“آه صحيح كلنا هنا وحشين وأنتِ وعمتو ملايكة، أصل يا حرام إحنا كنا بنتفرج على قناة MBC 2 وأنتِ وعمتو بتتفرجوا على قناة إسبيستون وعايشين في كوكب زُمردة”
رفعت حاجبها تنظر له بضيق، وهي تقول:
“صبرك عليا يا وليد، ماشي”
إبتسم لها شامتًا بها وهو يقول:
“سكتك خضرا يا هدير، أبلعي ريقك بس الأول، ولا بلاش لا تروحي فيها”
ضربت الأرض بقدميها ثم غادرت المكان من أمامه حتى إنها أصطدمت بـ «أحمد» عند دخوله البيت، لكنها لم تعبأ به وتركته راكضة إلى الخارج.
اقترب «أحمد» من «وليد» يسأله متعجبًا:
“دي مالها دي إن شاء الله يا وليد؟”
نفخ وجنيته بضيق وهو يقول:
“سيبك منها، ربنا يهديها إن شاء الله”
صعد كلاهما إلى وجهته، فدخل «أحمد» شقته وجد والديه في إنتظاره، و دخل «وليد» شقة عمه وجد الجميع بها جالسين مع بعضهم البعض عدا «طارق» الذي كان يبدل ثيابه في الداخل، نظر حوله فوجد «عبلة» تخرج من الرواق وهي مبتسمة، إبتسم لها أيضًا ثم غمز لها بطرف عينه، راقب «محمد» تصرفهما ثم قال بضيق:
“نتلم يا حيوان منك ليها”
نظر له «وليد» بضيق وهو يقول:
“هو أنتَ مضايقاك الغمزة؟ أنا طالع وعامل حسابي أحضنها أساسًا”
شعرت هي بالخجل فأخفضت رأسها تحاول كتم بسمتها،بينما «محمد» ضرب كفًا بالأخر وهو يقول:
“يابني احترم وجودنا بقى، أنتَ مفيش دم خالص ربنا يوعدك بعريس لبنتك زيك يا رب”
غمز له «وليد» بوقاحة وهو يقول:
“طب ما نجيب البت الأول ونبقى نشوف حوار العريس دا بعدين”
شهقت «عبلة» بقوة بينما والدتها قالت بضيق:
“لم نفسك يالا أنتَ محدش مالي عينك؟ لا أبوها ولا أخوها ولا أمها”
حرك رأسه نفيًا ثم قال بإستفزاز:
“لأ محدش مالي عيني، عارفة ليه علشان هي مراتي، تخيلي؟”
نظر لها زوجها وهو يقول:
“قومي يا سهير أغرفي الأكل خليه ياكل علشان يغور على شقتهم”
إلتفت «وليد» ينظر لـ «عبلة» وهو يقول:
“لأ أنا عاوز أتكلم مع عبلة، قبل ما ناكل”
سأله عمه مُتعجبًا:
“ليه إن شاء الله خير؟”
نظر له بوقاحة وهو يقول:
“لأ أصل أنا بحب أحلي قبل ما أكل”
نظر عمه له بسخرية وهو يقول:
“ليه يا أخويا فاكرها طبق مهلبيه؟”
غمز له ثم قال:
“لأ والله أحلى كمان”
في شقة «طه» جلس الجميع على مائدة الطعام يتناولوا طعامهم دون «خديجة»، نظر «طه» إلى مقعدها ثم سأل مُستفسرًا:
“هي خديجة لسه مرجعتش من برة؟”
حركت زوجته رأسها نفيًا بهدوء ثم قالت:
“لأ لسه هي قالت إنها ممكن تتأخر”
أومأ لها في هدوء ثم نظر للمقعد مرةً أُخرى، راقبت «خلود» الموقف بتعجب فقالت بسرعة:
“متزعلش أوي كدا، كلها كام شهر وناخد الإذن من ياسين علشان نعرف نشوفها”
نظر لها والدها بحزن ثم قال:
“أنتِ بتفكريني ليه يا خلود؟ ما تخليني ناسي”
نظر له «أحمد» متعجبًا ثم قال:
“بابا هو أنتَ إيه اللي غيرك مع خديجة كدا؟ يعني فجأة كدا دا حصل؟”
تنهد «طه» ثم ترك ملعقته وهو يقول:
“علشان كنت حمار يا أحمد، ضيعت بنتي من إيدي لحد ما بقت تخاف تبص في عيني وتخاف لما أمسك إيدها، بنتي اللي كبرت واتجوزت وخلاص هتسبني وتمشي وأنا مش عارف حتى أتكلم معاها، لما فكرت وحسبتها اتوجعت، إزاي هتروح تعيش مع واحد غريب عنها وهي خارجة من بيتي وخايفة منه، أفرض جوزها دا زعلها ولا حصل موقف بينهم تلجأ لمين هي؟ وهي بتخاف من أبوها و….”
لم يستطع الإسترسال في حديثه أكثر، وأجهش في بكاء عنيف، قامت «خلود» وإحتضنته وهي تقول:
“متزعلش نفسك يا بابا، خديجة طيبة أوي والله وهتنسى هي هتاخد وقت شوية، بس حقها برضه، منها لله عمتو مشيرة”
مسح «طه» دموعه ثم قال:
“أنا عاوزكم تساعدوني أصلح موقفي مع خديجة”
أومأ له الجميع فتنهد هو بأريحية وهو يأمل في عودة علاقته مع إبنته، نعم هو أخطأ كثيرًا في حقها وتمادى في خطأه، لكننا أناسٌ ندرك الخطأ في وقتٍ متأخر، قد يكون الوقت مناسبًا في بعض الأحيان وقد يكون متأخرًا، لكن مما لاشك فيه أننا جميعنا نستحق فرصة أخرى حتى نلحق ما فاتنا، فلو كانت هذه الدنيا هي دنيا الفرصة الواحدة، ما وجدنا بها تائبٌ ولا فعلنا بها صائبٌ.
________________
خرجت «هدير» تسير على قدميها في الطرقات وهي مُشتتة الفكر،ظلت تجوب الطرقات حتى ذهبت إلى أحد الكافيهات العامة على نهر النيل جلست به وهي تود البكاء لكنها كانت متماسكة إلى حدٍ كبير، أتى لها النادل وأخذ طلبها ثم تركها مرةً أخرى، نظرت هى بجانبها على نهر النيل، أخذت نفسًا عميقًا ثم بكت رغمًا عنها لا تدري ماذا تفعل، تشعر أنها فقدت كل شيء وتشعر بالضعف وهي أكثر ما تكرهه أن تكون ضعيفة، كان هناك زوج من الأعين يراقبها مُتعجبًا من حالتها كان ممسكًا بصورة فتاة بين يده، فقام بوضعها داخل سترته ثم إقترب منها وهو يقول بهدوء:
“مساء الخير يا آنسة هدير”
مسحت «هدير» دموعها ثم نظرت له بإستفسار، شعر هو بالحرج من نظرتها فحمحم بهدوء وقال:
“أنا حسن، صاحب وليد وطارق و وئام وشريكهم في الشغل”
أومأت له ببرود وهي تقول:
“خير برضه مش فاهمة حضرتك عاوز إيه؟”
سحب المقعد المقابل لها وجلس عليه تحت نظرات التعجب منها، نظرت له رافعة أحد حاجبيها ثم قالت:
“خير يا فندم؟ أنا شايفاك واخد راحتك أوي يعني”
نظر لها بثبات وهو يقول:
“أنتِ طلعتي بتتحولي في ثانية، اللي يشوفك دلوقتي ما يشوفش عياطك من شوية”
شعرت بالضجر من حديثه فقالت بنبرة حانقة:
“مين دي اللي بتعيط، ابقى أكشف نظر يا أستاذ”
قبل أن يُعقب على حديثها صدح صوت هاتفه، فأخرج الهاتف وقال بنبرة هادئة يُجيب المتصل:
“ايوا يا حبيبتي، لأ أنا بخير، مش هتأخر نص ساعة وهكون عندك”
رفعت «هدير» حاجبها بتعجب ثم إبتسمت بسخرية، أنهى هو مكالمته فوجدها تقول ساخرة:
“وإيه دا بقى إن شاء الله؟ بتوسع رزقك؟”
نظر لها متعجبًا لكن سرعان ما تلاشت تلك النظرة حينما فهم مقصدها وقبل أن يجيبها وجدها تقف وهي تقول بضيق:
“عن إذنك”
اوقفها هو بقوله:
“استني يا أنسة هدير، اتفضلي دي خليها معاكِ”
التفتت تنظر له فوجدته يقول مُبتسمًا:
“دي علبة مناديل خليها معاكِ علشان دموعك اللي بهدلتك دي”
تركته وذهبت من أمامه دون أن تكترث به ولا بكفه الممدود لها، بينما هو نظر في أثرها بتعجبٍ واضح ثم قال:
“كتلة ألغاز متحركة ماشية على الأرض”
إبتسم على نفسه ثم وقف ودفع الأموال وذهب إلى مقصده.
___________________
في بيت «ميمي» تناولوا الغداء جميعًا مع بعضهم البعض على طاولة واحدة كانت «ميمي» تترأسها وهي تشعر بالسعادة، شعرت «خديجة» في باديء الأمر بالتوتر الطفيف، لكن ذلك التوتر تلاشى تدريجيًا حينما انخرطت معهم في الأحاديث والضحكات والسخرية من «عامر»، بعد ذلك عادوا إلى جلستهم مرةً أُخرى، على الأرائك بعدما أزالوا بقايا الطعام وقام «ياسين» بأعداد الشاي كعادته للجميع، جلسوا جميعًا فقالت «إيمان» بوجهٍ مبتهج:
“زي ما كنا بقى ونكمل لعبتنا، أنا سألت عامر، وخديجة سألت ياسر، سارة تسأل خالد”
نظرت «سارة» إلى «خالد» مبتسمة وهي تقول:
“إيمان كانت قالت إن شخصيتك مكانتش كدا،وكمان كنت رافض إن حد يكون في حياتك، إيه اللي حصل بقى؟”
تنهد «خالد» بعمقٍ ثم قال:
“كل الحكاية أني مريض بالخوف على اللي حواليا، يعني مخي مش بيسبني في حالي، بيفضل يرسم سيناريوهات غريبة من بعد موت أبويا، علشان كدا بفضل عامل نفسي جامد وعصبي بس من جوايا لسه خالد اللي عنده ١٢ سنة ودفن أبوه بإيده، أبويا قبل ما يموت وصاني على ياسر وعيلته ووصاني على أمي وأختي، فكبرت وأنا حاسس بالمسئولية ناحية اللي في حياتي كلهم، فمكنتش ناقص حد كمان يزود خوفي، فضلت أكابر لحد ما حسيت أني محتاج فعلًا أخرج مشاعري دي، ماهو أنا مش حجر كنت عاوز ونس في حياتي”
سألته «سارة» بهدوء وهي متأثرة:
“كب وبعدين إيه اللي حصل؟”
تنهد هو بعمقٍ ثم قال:
“اللي حصل إني تعبت فجأة، حسيت بالخنقة وأنا قافل على قلبي، آه صحابي معايا وأمس وأختي بس فيه مشاعر عاوز أخرجها عاوز أحب وأتحب، خوفي كان مانعني وعلطول يفكرني بموت أبويا، قررت أنا بقى أسيب خوفي،لحد ما ظهرت اللي القلب القاسي علشانها رَق، ريهام، كانت بنت أخت جارتنا شوفتها مرة عندهم بالصدفة وأنا نازل أجيب ايمان أختي، بعدها الكلام من خالتها مع أمي جاب بعضه إن أبوها بيغصبها على الجواز من إبن عمها وعاوزها تعيش في الصعيد، روحت أنا بقى طلبتها منه، مش عارف أنا عملت كدا ليه ومش عارف برضه إيه الدافع اللي حركني بس في النهاية كله نصيب”
سألته «خديجة» تلك المرة بنبرة شبه باكية:
“يعني مفيش حب؟”
إلتفت ينظر لها بسرعة كبيرة وهو يقول:
“لأ طبعًا، أنا كنت فاكر زيك كدا، أول جوازنا مكناش واخدين على بعض يعني علاقة عادية برجع من الشغل ناكل سوا وأسيبها وأنزل على القهوة وأرجع أنام واليوم يتكرر، هي الصراحة بنت أصول مكنتش بتشتكي، لحد ما جالها دور تعب كدا بعد جوازنا بشهرين وكانت شبه ميتة، ساعتها خوفي رجعلي تاني يفكرني بموت أبويا وإن أنا هبقى لوحدي تاني، أختها جت تبات معاها وأنا سِبت البيت ونزلت وأنا مرعوب وخايف أرجع ملحقهاش، روحت قعدت في الجامع فضلت أصلي وأعيط وأدعيلها تقوملي بالسلامة من تاني علشان أعوضها، في اللحظة دي بس عرفت إن أنا حبيت ريهام، أو يمكن يكون حبي هو اللي حركني ليها، ساعتها بقى رجعت الصبح وبالذوق طردت أختها، وفضلت معاها لحد ما خفت وسافرنا بعدها، اعترفت بحبي ليها هناك ورجعنا اتنين تانيين خالص”
كانت زوجته تبكي من تلك الذكريات، بينما هو نظر لها وهو يقول:
“اللي كان تاعبني في حياتي إن قلبي كبير شايل حب لكل الناس”
سألته زوجته بنبرة شبه باكية:
“حتى أنا؟”
أومأ لها مُبتسمًا وهو يقول:
خصوصًا أنتِ، علشان أنتِ بكل الناس”
صفق الحاضرين لهما، تحت تهليلات «عامر» الصارخة وهو يضيف قائلًا:
“الله أكبر، إيه الحلاوة دي يا عمود مسلح، دا أنا كنت هعيط، ولما أنتَ عندك مشاعر زينا بتكتمها ليه؟”
نظر له «خالد» ضاحكًا ثم قال:
“في حاجات مِدكنها للحبايب”
تحدثت «إيمان» تقول بسرعة:
“يلا، ريهام تسأل ياسين”
إلتفت «ياسين» ينظر لها وهو يقول بقلقٍ زائف:
“أستر يا رب، أنا مش متفائل”
إبتسمت هي بهدوء ثم قالت:
“سؤال بسيط، أنتَ روحت تتقدم لبنات كتير جدًا وكل مرة كانت نفس الإجابة إنك مش مرتاح، إشمعنا خديجة بقى؟”
نظر هو لزوجته فوجدها تحرك كتفيها مبتسمة وكأنها تقول:
“مليش دعوة، اتصرف أنتَ”
تنهد هو بعمقٍ ثم قال:
“طيب، كل الحكاية إن أنا ولا مرة حسيت إن دا المكان اللي فيه شريكة عمري، كلهم مكانوش شبه قلبي، كل مرة شخصية سطحية وناس فاهمين إن الجواز شيء للتفاخر والتباهي قدام الناس، محدش فيهم عارف يعني إيه ونس يعني إيه إن الجواز دي بيوت بتتفتح علشان نكون سند لبعض، المكان الوحيد اللي حسيت فيه بالراحة كان بيت خديجة، حسيت ساعتها بحاجة غريبة يمكن نبضة قلب أول مرة أحسها وكأن ضلعي بيديني إشارة إن هي دي اللي اتخلقت منه، لقيت نفسي مرتاح ومسالم وعاوز أشوفها تاني، وبصراحة هي تستاهل إنها تتحب”
تدخلت «إيمان» تقول بمشاكسة:
“كمل يا فنان، خديجة بالنسبة ليك إيه، مجاتش عليك يعني”
تنهد هو ثم نظر في أعين «خديجة» بحب وقال:
“الفرق بين خديجة وكل اللي شوفتهم قبلها إن هما اتشافوا بالعين، و خديجة اتشافت بالقلب، ورؤية القلب دايمًا صح مفيهاش ليه ولا إزاي، خديجة بقى بالنسبة ليا عاملة زي المأوى لواحد ماشي في عز المطر في صحرا ولقى بيت يحتويه، مشيت معاها طريق اكتشفت فيه إن أنا اللي محتاجها مش هي اللي محتجاني، خديجة عاملة زي فراشة مليانة ألوان مختلفة كتير وقفت على إيد طفل صغير بيعيط علشان لوحده، أو يمكن زي نجمة في السما بتنور عتمة ليل لواحد ماشي في الصحرا، حاجات كتير في خديجة كل يوم تخليني أحمد ربنا على نعمة وجودها في حياتي”
رغمًا عنها بكت بقوة وهي تبتسم، فإبتسم هو الآخر ثم مد يده يمسح دموعها وهو يقول بنبرة حنونة مُحبة:
“أخبريني كيف لقلبٍ أنتِ مأواهُ أن يحيا بدونِك..أخبريني كيف أتخذُ وطنًا آخرٍ غيْر عيونِك؟”
أطلق «عامر» صفيرًا عاليًا وهو يقول:
“إيه يا جدع أنتَ الحلاوة دي، المتنبي قاعد معانا؟”
ضحك الجميع على ردة فعله حتى «خديجة» بينما «ياسين» اقترب منها يقول هامسًا بهدوء:
“خلاص يا ست الكل طالما سكتِ يبقى كدا أتثبتِ”
أخفضت رأسها في خجلٍ منه بينما
ربتت «سارة» على كتف «عامر» وهي تقول بهدوء:
“عامر عاوزة بيت شِعر علشان خاطري”
غمز لها ثم قال مبتسمًا:
“بس كدا من عيني يا غالية”
حمحم يلفت أنظار الجميع له، وبالفعل نظر له الجميع وقف بشموخ وهو يقول:
“سارة؟ بحبك وأقسملك بِـ دا قدام كل العمارة، يا اللي أغلى عندي من الباسبور في السفارة، دخلت زريبة حُبك ومن جاموسة الشوق اتنطحت، حُبي بان في عيوني قوام واتفضحت”
ارتفعت ضحكات الجميع حتى وصلت إلى القهقهات المستمرة لم يستطع أيًا من الموجودين أن يوقف الضحكات وأول من تحدثت ضاحكة وهي تجاهد كانت «ميمي» حينما قالت:
“يخيبك يا عامر، قومي يا سارة أقفلي باب الزريبة في وشه”
استمرت الضحكات لفترة طويلة حتى هو شاركهم في الضحك، بينما «خالد» نظر له وهو يحمحم ينقي حنجرته ثم قال موجهًا حديثه لـ «عامر»:
“أنتَ من هنا لآخر يوم في عمرك مسمعش صوتك، وعلى الله أسمعك بتقول شعر تاني هولع فيك”
نظر له «عامر» بتكبر وهو يقول:
“ويظنُّ بَعْضُ الجَاهِلِيِنَ بِأنَّنِي
مُتَكَبِّرٌ مُتَغَطرِسٌ كذّابُ
تبًّا لَهُم ولِجَهْلِهِمْ وَلِحِقدهِمْ
أَوَ مِثلُ شَخصِيِ فِيِ الحَيَاةِ يُعَابُ؟”
ضرب «ياسر» كفًا بالأخر ثم قال:
“يابني ما أنتَ حلو أهو أومال القرف اللي كان من شوية دا ليه؟”
استمرت الضحكات مرةً أُخرى و «سارة» التي كانت تنظر له بحنقٍ زائف، وهو يشاكسها ويراقص لها حاجبيه.
________________
انتهت الأمسية في منزل «ميمي» بين الأصدقاء بعد الضحكات والمشاكسات، قام «ياسين» بتوديع الجميع مُبكرًا ثم أخذها وركب سيارته معها، اوقف السيارة عند عربة عصير القصب باللبن، إبتسمت هي بهدوء بينما هو غمز لها وهو يقول:
“طب بذمتك مش وحشك عصير القصب؟”
أومأت له بهدوء بينما هو تنهد ثم نزل من السيارة وهي خلفه، نظر لها بعدما جلسوا فوجدها حائرة وكأنها تود قول شيئًا هامًا، فسألها بهدوء:
“شكلك عاوزة تقولي حاجة ومترددة، قولي يلا”
أومأت له بهدوء وهي مبتسمة ثم قالت:
“عاوزة أقولك شكرًا على كلامك عني النهاردة، حقيقي أنا ممتنة ليك أوي”
قطب جبينه بضيقٍ زائف ثم قال:
“وهو أنا مستني منك شكر يا خديجة؟ أنتِ ليه مصممة تعامليني كأني غريب عنك؟”
ردت عليه بسرعة كبيرة خوفًا من حزنه منها:
“مش كدا والله يا ياسين، بس أنا عمري ما سمعت حد بيشكر فيا، ولا عمر حد كان قريب مني، أنتَ فجأة بقيت بتعمل كل دا علشاني أنا ، كل حاجة كنت فهماها غلط وضحت قدامي بوجودك، طبيعي أني أشكرك على مجهودك اللي بتعمله علشاني”
تحولت نظرته إلى الإستفسار وهو يقول
“زي إيه يعني؟ مش فاهم وبعدين أنا غير كل الناس يا خديجة”
حركت رأسها نفيًا وهي تقول:
“لأ يا ياسين أنتَ مش غير الناس، علشان لو حسبناها صح أنتَ بكل الناس يا ياسين”
إبتسم هو ببلاهة وهو يقول:
“إيه الحلاوة دي، قوليها تاني كدا؟”
إبتسمت هي بهدوء ثم قالت:
“دي الحقيقة والله، أنا عشت عمري كله محدش جنبي، عمر ما حد اختارني علشان اكون معاه، بنات عمي كلهم بعاد عني وكانوا دايمًا محسسني أني غيرهم، وعمري ما كان عندي صحاب، كنت في المدرسة لوحدي وفي الدروس لوحدي، وفي الجامعة برضه لوحدي، كنت دايمًا ببص على الصحاب من بعيد كدا وأتمنى يجي يوم ويبقى عندي صحاب، هدير في عيد ميلادها هي وعبلة كانوا صحابهم بيعملوا ليهم مفاجأت ويخرجوا ويتصورا، وأنا كل مرة في عيد ميلادي بنام وبقضيه لوحدي، طول عمري كنت فاكرة نفسي مبعرفش اتكلم لحد ما اكتشفت إن محدش منهم كان بيسمعني ، ظهرت أنتَ وبقيت تسمعني وتفهمني وتشجعني وكل حاجة اتمنتها في يوم لقيتها فيك يا ياسين”
تنهد هو بعمقٍ مبتسمًا ثم قال:
“علشان دا الغرض الأساسي إني أكون في حياتك، هو أني أكمل اللي ناقصك وأكون شخص تتعافي بيه من الأيام وقسوتها، لو في يوم حسيتي نفسك خايفة مني يبقى أنا فشلت أكون نصك التاني، أحن حاجة تعمليها لشخص يا خديجة هو إنك تطمنيه، مفيش مطمن ولا متونس بيتعب في رحلته يا خديجة”
أومأت له بهدوء ثم قالت بنبرة مهتزة:
“يعني أنا بجد مش فيا عيوب زي ما كنت فاكرة؟”
حرك رأسه نفيًا بهدوء ثم قال مبتسمًا:
“”رَمَاكَ الحَاسِدُونَ بِكُلِّ عيبٍ
وَعَيْبُكَ أَنَّ حُسْنَكَ لَا يُعَابُ”
إتسعت إبتسامتها ثم أومأت بأعين دامعة بعدما وصلها مغذى حديثه، بينما هو أشار لها برأسه على العصير ثم قال:
“أشربي العصير علشان نروح يلا”
في بيت آلـ «الرشيد» كانت «عبلة» تقوم ببعض التمارين الرياضية أسفل التاندا الموضوعة في السطح حتى تقوم بتخبئة أفراد العائلة عند جلوسهم أسفلها، وقفت تقوم ببعض التدريبات وسرعان ما تبدلت الأغنية فدارت هي بسعادة بالغة حول نفسها عدة مرات حتى أوشكت على السقوط لكنها وجدت نفسها مُكبلة بين ذراعين شديدين رفعت رأسها بذعرٍ، فوجدت «وليد» يغمز لها بخبثٍ وهو يقول:
“إخس على الأرض كدا كانت هتوقع القمر؟”
شعرت بالخجل منه فقالت بهدوء:
“وسع يا وليد عيب كدا، وبعدين ضهري وجعني”
إعتدل في وقفته بها دون أن يترك يدها، بينما هي نظرت له متسائلة وهي تقول:
“أنتَ طلعت هنا ليه؟ وهنا من إمتى أصلًا؟”
غمز لها بخبثٍ وهو يقول:
“أنا هنا من ساعة البلانك، وبعدين عاوزة تعملي تمارين قوليلي دا أنا حنين حتى وهعلمك بسهولة”
نظرت له تقول بتلعثم:
“ها؟! لأ أنا بس ضهري وجعني شوية قولت أعمل تمارين علشان الألم دا يفك”
إقترب منها يقول هامسًا:
“على العموم أنا كنت كابتن جيم، لو عاوزاني أدربك أنا في الخدمة”
سألته بنبرة حماسية:
“بجد ينفع هنا في البيت من غير أجهزة؟”
أومأ لها مُبتسمًا ثم قال:
“الحاجات الأساسية عندي تحت في أوضتي، شوفي عاوزة من إمتى وأنا معاكِ”
إحتضنته بقوة وهي تقول:
“شكرًا يا وليد ربنا يخليك ليا، أنا بحبك أوي”
ربت هو على ظهرها ثم قال:
“وأنا كمان بحبك يا عبلة، ربنا يقدرني وأسعدك يا رب”
في تلك اللحظة دخلت «مُشيرة» السطح وهي تقول حينما رآت وضعهما:
“الله الله، محمد و مرتضى عندهم علم باللي بيحصل دا”
خرجت «عبلة» من بين ذراعيه بسرعة وأخفضت رأسها بينما هو وضع ذراعه على كتفها وهو يقول بتسلية:
“نورتي السطح يا عمتو”
ضمت ذراعيها أمام صدرها وهي تقول بسخرية:
“دا بنورك يا إبن أخويا، بس هي قلة الأدب دي مش المفروض في بيتكم ولا هو أنتَ مفضوح مفيش حد يلمك؟”
نظر لزوجته بسخرية وهو يقول:
“بقولك ايه يا روحي ابقي فكريني أطبع نسخة من قسيمة جوازنا و أبروزها لـ عمتو تحطه فـ درجها علشان بتنسى كتير”
إتسعت حدقتي «عبلة» بينما عمته قالت بضيق:
“ماشاء الله من أولها وبقيتي جارية عنده، أومال في آخرها هتعملي إيه؟”
نظر لها ببرود وهو يقول:
“الله ؟ مش أحسن ما أسيبها وأطفش؟”
علمت عمته بمرمى حديثه أين يتجه فرفعت حاجبها تقول بحنقٍ:
“يا أخي نفسي أعرف أنتَ جايب قلة تربيتك دي منين، وبعدين قصدك إيه وعلى مين؟”
إقترب منها يقف مقابلًا لها ثم قال:
“اللي على راسه بطحة يا عمتو، وبعدين كفاية أنتِ متربية، هنبقى إحنا الأتنين يعني؟”
ربتت على كتفه مبتسمة وهي تقول بسخرية لاذعة:
“مروة وزينب عرفوا يربوا ما شاء الله”
وضع ذراعه على كتفها وهو يقول مُبتسمًا بإصفرار:
” تربية متتخيرش عن تربيك لـ هدير بالظبط”
تركته و ذهبت من أمامه تضرب الأرض بقدميها، فرفع هو صوته قائلًا:
“بالراحة، الحِمم البركانية تحت الأرض مش فوقها”
إلتفتت عمته تنظر له بضيق ثم تركته وفرت من أمامه، بينما هو إلتفت ينظر لزوجته وهو يقول بضيق:
“سطح وش أمه فقر، فكريني بقى كنا بنقول إيه؟”
إرتفعت ضحكات «عبلة» عاليًا، بينما هو غمز لها وهو يقول:
“نبدأ بالتمرين الأول”
في الأسفل توقفت سيارة «ياسين» أمام البناية، التفت ينظر لها بهدوء ثم قال:
“هناء كلمتني وعاوزانا بكرة، خلصتي الكتاب؟ ، بتقول دي جلسة استثنائية علشان تتابع معاكِ”
اومأت له بهدوء ثم قالت:
“آه خلصته وكمان كتبت الملاحظات، وهراجع بكرة”
ربت على كتفها وهو يقول بطريقة مُضحكة:
“إحياة أبوك يا خلف عاوزك ترفع راسي لِـفوج؟”
ضحكت على طريقته ثم قالت:
في إيه يا ياسين؟ هو أنا ثانوية عامة؟”
أومأ لها ضاحكًا ثم قال:
“أهم عندي من الثانوية العامة، كل خطوة بتاخديها في الطريق دا بتقربنا خطوات لبعض، وبصراحة أنا طالب القُرب”
إبتسمت هي بقوة ثم قالت:
“هانت أهوه خلاص، أنا غالبًا كدا خفيت أساسًا، بس فاضل حاجات أنا أعملها لوحدي وكدا يبقى تمام”
أومأ لها ثم نزل من السيارة وهي خلفه، دخلت المصعد وقبل أن يُغلق الباب قال بهدوء:
“بكرة هشوفك أكيد، ياريت يعني لو تردي عليا من أول مرة بلاش تتقلي عليا”
إبتسمت له وهي تسأله بتعجب:
“أنا أتقل؟ دا أنا بقيت واقعة خالص والله”
أومأ لها ضاحكًا ثم لوح مودعًا، أغلق الباب ثم ركب سيارته، بينما هي تنهدت بعمقٍ ثم خرجت من المصعد حينما توقف أمام الطابق الخاص بشقتها، دخلت الشقة وجدت «طه» جالسًا في إنتظارها، نظرت له بتوترٍ طفيف ثم قالت بتلعثم:
“أنا.. أنا أسفة لو أتأخرت يعني بس الوقت خدني مع مراتات صحاب ياسين”
إبتسم هو مُطمئنًا لها ثم قال:
“ولا يهمك، المهم إنك رجعتي بالسلامة، تاكلي معايا؟أنا معرفتش آكل وأنتِ مش موجودة”
لم تستطع الرفض أمام تلك النبرة المترجية، فأومأت له بهدوء بينما هو تنهد بأريحية ثم قال مُبتسمًا:
“طب غيري هدوك دي وأنا هجهز العشا، وناكل مع بعض”
نظرت له بتعجب من طريقته ومن نبرته ومن تغيره المفاجئ لها، لكنها تنهدت بعمقٍ ثم دخلت غرفتها لكي تبدل ملابسها.
أنتهي اليوم بعد تناولها العشاء مع والدها في هدوء من كليهما ، لم يتحدث أيًا منهما، كان ينظر لها هو ويراقب تصرفاتها عن كثب، أما هي فدفنت رأسها في الطبق أمامها بهدوء وهي تأكل رغمًا عنها بشهيةٍ مسدودة.
في اليوم التالي كانت جالسة تراجع الكتاب وهي تدون الملاحظات، عند إقتراب الموعد قامت وإرتدت ثيابها ثم جلست في إنتظار مهاتفته لها، وبعد قليل هاتفها هو، فأجمعت أشيائها ثم ركضت له، نزلت له بوجهٍ مبتسم فوجدته يقول بحنقٍ زائف:
“لأ الواحد لازم يقدم شكوى في وكالة ناسا على المهزلة اللي بتحصل دي”
قطبت جبينها تسأله بتعجب:
“ليه حصل إيه؟”
غمز لها يقول بمرحٍ:
“أصل فيه قمر واقع منهم واقف قصادي أهوه”
إبتسمت هي بتعجب واضح منه بينما هو قال بمرحٍ:
“خلاص يا ست الكل طالما سكتِ يبقى كدا أتثبتِ”
بعد قليل كان هو وهي في غرفة الطبيبة النفسية،و كانت تشعر بحماس شديد من تلك التجربة التي ستجريها أمامهما، تحدثت الطبيبة مع مساعدتها في الخارج تقول:
“تعالي يا آمال، وأقفلي ياب العيادة معاكِ”
بعد قليل كانت المساعدة تقف أمام الطبيبة، بينما الطبيبة أشارت لهما وهي تقول:
“اتفضلوا معايا علشان خديجة هتكون في مكان غير دا علسان تعف تتعامل عادي”
سار «ياسين» ممسكًا كفها بكفه خلف مساعدة الطبيبة ، فتحت هي باب صغير لمكانٍ يشبه الحدائق كان مليئًا بالزرع والألوان المبهجة ومفتوح من حميع الإتجاهات، وفي نهايته سبورة صغيرة وقلمٍ، نظرت له «خديجة» بأستفسار فوجدته يحرك كتفيه يعلن لها جهله بالأمر، دخلت الطبيبة خلفهم ثم قالت مُبتسمة:
“دلوقتي أنا وأستاذ ياسين و آمال هنقعد قدامك يا خديجة، وأنتِ هتشرحيلنا الكتاب اللي قرأتيه وتقوليلنا فهمتي منه إيه”
إتسعت حدقتي «خديجة» ثم رفعت رأسها تنظر له، فوجدته يومأ لها ثم ضغط على كفها حتى يطمئنها.
______________
في أحد المولات التجارية حديثة البناء كانت «جميلة» تقوم بترتيب المحل الخاص بوالدها وهي سعيدة للغاية والسعادة تعتلي ملامح وجهها، كان «حسان» يراقب فرحتها وهو مُبتسمًا بسعادة بالغة أيضًا، إلتفتت تنظر له فوجدت نظرته تلك، فإقتربت منه تسأله بمرحٍ:
“ياترى بقى خدتلي كام صورة بقى؟”
حرك رأسه نفيًا بيأس ثم قال ضاحكًا:
“مفيش فايدة فيكِ، طول عمرك لبط يا جميلة”
تنهدت بعمقٍ ثم قالت:
“طلقني يا حسان، وأنسى كل اللي بيننا”
أمسك زجاجة المياه وهو يتصنع قذفها بها،فإبتسمت هي بإتساع ثم قالت:
“طب بالله عليك مش أنا معوضاك عن الفراغ العاطفي، وبعدين إحمد ربنا على نعمة وجودي قبل ما أسيبك وأمشي”
نظر لها بحزن نابع من أعماق قلبه وهو يقول:
“صعب عليا فراقك والله، خروج روحي من جسمي أصعب من فراقك وبعدك عني”
اقتربت منه تحتضنه وهي تقول بنبرة متأثرة:
“خلاص مش هسيبك، هعيش معاك علطول ورزقي ورزقك على الله”
ضربها على رأسها بخفة وهو يقول بسخرية:
“رزقي ورزقك على الله إيه بس؟ أنتِ بتشفقي عليا
!؟”
دخل صديقه في تلك اللحظة وهو يقول بصوتٍ عالٍ:
“حسان أبو الفدا هنا يا ألف نهار أبيض”
ترك «حسان» ابنته ثم ذهب وعانق صديقه وهو يقول:
“إزيك يا عبده عامل وحشتني”
بعد العناق خرج «عبده» من بين ذراعي صديقه وهو يقول:
“والله ليك وحشة يا حسان، القاهرة نورت برجوعك تاني”
ربت «حسان» على كتفه ثم قال:
“منورة بأهلها يا عبده، بس الحمد لله إن الأرضي عندكم لسه شغال مكنتش هعرف أوصلك من غيره”
ضحك صديقه ثم قال:
“أنتَ عارف دا تليفون الحجة، المهم مين السكر دي؟”
أشار برأسه نحو «جميلة» التي إقتربت منهما و إبتسمت ترحب به بهدوء، بينما «حسان» نظر لها بفخرٍ وهو يقول:
“دي جميلة بنتي، وصاحبتي وكل حاجة ليا في دنيتي”
أخفضت رأسها في خجلٍ، بينما «عبده» قال بنبرة مرحة:
“وهتبقى مرات أبني قريب إن شاء الله”
تدرجت وجنتيها بحمرة الخجل، بينما «حسان» نظر له بضيق طفيف وهو يقول:
“لأ أنسى دي خالص، دي منطقة محظورة”
إبتسم له صديقه ثم قال:
“ماشي يا عم براحتك ، المهم أخبار الشغل معاك هنا إيه؟محتاح مساعدة؟”
حرك «حسان» رأسه نفيًا وهو يقول:
“لأ الحمد لله البداية مشرقة، بس لسه الدعاية والإعلان هي اللي هتساعدني”
تحدث «عبده» بفخرٍ وهو يقول:
“لأ دي متشيلش همها خالص، صاحبي عنده شركة دعايا وإعلان بتاعة إبنه وشغلهم عظمة”
سأله «حسان» بتلهفٍ:
“بجد طب إسمه إيه ولا رقمه فين؟”
إبتسم «عبده» ثم قال:
“إسمه محم…..”
وقبل أن يكمل جملته صدح صوت هاتفه عاليًا مما أوقفه عن الإسترسال في الحديث.
يُتَبَع